2025
2025-12-18
في الحياة الاجتماعية والاقتصادية واليومية في أذربيجان، لطالما هيمنت العلاقات الأبوية وسيطرة الرجال على النساء. ورغم مشاركة المرأة الأذربيجانية أحيانًا في القطاعات التعليمية والعمليات السياسية خلال الحقبة السوفيتية، إلا أن تعيينتهن في مناصب غير رئيسية في الأحزاب والهيئات الإدارية، ومشاركتهن في الحياة السياسية، لم يكن سوى وهم. ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، أصبح الوضع أكثر واقعية. فبعد أن كانت النساء في أذربيجان يشكلن حوالي ٤۰% من أعضاء المجلس الأعلى في أوائل عام ۱۹۹۱، انخفضت هذه النسبة إلى ٦% فقط عام ۱۹۹۲. وبعد انتخابات عام ۱۹۹٥، و في عام ۲۰۰٥، وصل عدد النائبات في البرلمان إلى ۱۲%.
لم يسهم قانون "ضمانات المساواة بين الجنسين" الذي أقرّ عام ۲۰۰٦ بشكلٍ ملحوظ في تعزيز دور المرأة في أعلى هيئات الدولة. فبحسب بيانات عام ۲۰۱٦، شكّلت النساء الأذربيجانيات ۱٦% من أعضاء البرلمان. ولم تغيّر نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت عام ۲۰۲٤ هذا الوضع بشكلٍ كبير. ففي الدورة السابعة لمجلس النواب الأذربيجاني، لم تتجاوز نسبة النساء ۱۹ نائبة من أصل ۱۲٥، أي ما يقارب ۱٥%.
لم تشهد الاحتجاجات في أذربيجان، سواءً كانت ذات طابع سياسي أو ديني أو حتى دفاعًا عن حقوق المرأة، مشاركةً واسعةً من النساء الأذربيجانيات. وقد شكّلت المعاملة القاسية التي تتعرض لها النساء من قبل أجهزة إنفاذ القانون (الشرطة) خلال الاحتجاجات، واستخدام العنف والتجسس ومراقبة حياتهن الخاصة، رادعًا لكثيرات منهن. ومن الأمثلة الصارخة على ذلك اعتقال فاينا كونغروفا عام 2007، العضوة في الحزب الديمقراطي الأذربيجاني التي شاركت بنشاط في الاحتجاجات ضد حيدر و إلهام علييف، ووفاتها أثناء احتجازها. وذلك على الرغم من تصنيف مجلس أوروبا لكونغوروفا كالسجينة السياسية الوحيدة في أذربيجان.
Նկար
ربما كان وفاة كانيرا باشاييفا، عضوة البرلمان والناشطة السياسية، في ظروف غامضة عام ۲۰۲۳، أثر سلبي على نشاط الشخصيات النسائية. هذه "المرأة الحديدية" (كما كانت تلقب)، ابنة منطقة توفوز، حظيت بشعبية واسعة وكانت معروفة لدى نظرائها الدوليين. في الواقع، شكّلت منافسة شرسة للعائلة الحاكمة وسيدات البلاد الأُوَل، بغض النظر عن انتمائها لعائلة باشاييف.
ومن الأمثلة الأخرى اعتقال المؤرخة والناشطة في مجال حقوق الإنسان ليلى يونسوفا، التي أطلق سراحها نتيجة لتدخل المنظمات الدولية ثم غادرت أذربيجان.
عموماً، و لتجنب الانتقادات الدولية، فضّلت أجهزة الأمن الحكومية عادةً احتجاز المتظاهرات الناشطات في مراكز احتجاز "رمزية" قصيرة الأجل، أو تشويه سمعتهن بنشر تفاصيل حياتهن الخاصة. وهكذا، تم تطبيق مبدأ "كلما كانت الضحية أقل ضرراً وأكثر براءة، كان الأثر النفسي أكبر".
لم تشهد سوى التجمعات المفاجئة الليبرالية، وأحيانًا النسوية، مشاركة تذكر. وعلى عكس المظاهرات السياسية العلنية، اعتمد منظموها بشكل أساسي على المنصات الإلكترونية. وقد ساهم تصوير الجهات الحكومية لهذه التجمعات على أنها أنشطة غير سياسية وغير ضارة وممتعة في خلق قدر من التسامح تجاهها.
في أواخر العقد الأول من الألفية الثانية والعقد الثاني منها، تأسست عشرات المنظمات التي تضم أعضاء من الحركة النسوية. من بينها "المجموعة النسوية الأذربيجانية"، و"حركة النساء النسويات"، وشبكة "ميل"، ومنظمة "المتساويين"، وبرامج "فيمم" المعنية بالنوع الاجتماعي، ومنصة "قادنكيمي.كوم" النسوية، وغيرها. مع ذلك، لم تعرّف هذه المنظمات نفسها ككيانات نسوية أو سياسية. فقد تجنبت هذه المنظمات، التي تأسست بمبادرة من النساء أو بمشاركتهن، في البداية الخطاب السياسي والنشاط السياسي. ويعود السبب في ذلك إلى نظرة الرأي العام الأذربيجاني، والسياسي (بما في ذلك المعارضة)، وحتى الأوساط الأكاديمية، إلى النسوية والحركة النسوية نظرة سلبية، باعتبارها عرضة للنقد. إضافة إلى ذلك، قللت النخبة الحاكمة في أذربيجان في البداية من شأن القوة السياسية للمرأة.
في عام ٢٠١٩، نظمت أول مسيرة نسوية بعنوان "مسيرة ٨ مارس ضد العنف" في باكو من قِبل مجموعة مبادرة نسائية نسوية. دعت النسويات الأذربيجانيات النساء إلى التوحد لتحرير المجتمع من النظام الأبوي وهيمنة الذكور، وإسماع أصواتهن، وحماية أنفسهن من العنف المنزلي وغيره من أشكال العنف، بما في ذلك الزواج المبكر وقتل النساء. أظهر هذا الحدث تشكّل شبكة نسوية واسعة في أذربيجان، وبدء تسييس قضايا النسوية والمرأة، وانتقالها من كونها قضايا اجتماعية غير ضارة إلى قضايا سياسية خطيرة. وبات من الواضح أن تركيز المنظمات التي أُنشئت بمشاركة النساء بدأ يتحول تدريجيًا من القضايا التعليمية والثقافية إلى قضايا النسوية، ولا سيما رفع مستوى الوعي بقضايا النوع الاجتماعي، وتوسيع نطاق النقاش العام، وتغيير النظرة السلبية للنسوية في المجتمع المحلي.
نتيجةً لذلك، شنت أجهزة إنفاذ القانون في الفترة ۲۰۱۹- ۲۰۲۱ حملات قمع واسعة النطاق، لم تقتصر على قوى المعارضة فحسب، بل شملت أيضاً المشاركين في الاحتجاجات والمسيرات التي تنظم بانتظام بمشاركة فعّالة من النساء. وقد أثار هذا التحول، الذي يهدف إلى حماية حقوق المرأة، مخاوف في أذربيجان. وبدأت السلطات تخشى من أن تسعى هذه الجماعات النشطة، بما تملكه من قاعدة جماهيرية وناخبين، إلى دخول معترك السياسة أو التأثير بشكل كبير على العمليات السياسية الداخلية.
في محاولةٍ لعرقلة هذا التوجه وجعل المجتمع الأذربيجاني غير مبالٍ بأنشطة النساء الناشطات، انتهج نظام علييف نهجًا غير مقبول لدى الأذربيجانيين، حيث ربط بينهن وبين ممثلات الفئات المهمشة (غير الملحوظة)، وأهانهن، وحدّ من شأنهن. وقد وصفت مصادر حكومية النساء اللواتي يتحدثن علنًا عن انتهاك حقوقهن بأنهن "مجنونات، وغير أخلاقيات، ومنحرفات، وخائنات، ودمى في يد "الغرب"، وخطيرات، ومعاديات للرجال، ومعاديات للأسرة، ومعاديات للوطن"، وغيرها من الأوصاف.
رغم إمكانية إسكات صوت المعارضة إلى حد ما منذ نهاية عام ٢٠١٩، واصلت العديد من الجماعات النسائية إبقاء قضية حقوق المرأة حاضرة على الساحة، على الأقل من خلال فعالياتها النضالية. وقد قوبلت هذه الجهود في الغالب بردود فعل قاسية من أجهزة إنفاذ القانون. وكان الاستثناء الوحيد هو الاحتجاج الصغير وغير المرخص الذي نظّم في باكو في ٨ مارس ٢٠٢٤، والذي، ولدهشة المشاركين، لم تقم قوات الأمن بتفريقهم. وكان لهذا "التسامح" من جانب السلطات مبرراته المنطقية. فمعظم الناشطات والصحفيات كنّ إما في السجن أو في المنفى نتيجةً للقمع المستمر منذ عام ٢٠٢٣، وكان المكان الذي نظّم فيه الاحتجاج مغلقًا من قبل قوات الشرطة. إضافةً إلى ذلك، لم يحظَ الاحتجاج بتغطية إعلامية كافية، إذ تزامن ذلك مع قيام أجهزة إنفاذ القانون بعمليات تفتيش واعتقالات في مقر قناة توبلوم التلفزيونية، ما حوّل اهتمام الصحافة والمنظمات العامة إلى عمليات القمع القادمة.
يروّج حاليًا لفكرة مشاركة المرأة في صفوف القيادة العليا للبلاد من خلال أول رئيسة لمجلس النواب الأذربيجاني، صاحبة غفاروفا، وأول نائبة للرئيس، مهريبان علييفا. ويجري العمل على التأثير في الرأي العام، لا سيما من خلال دور الأخيرة، بتصوير تعيينها في منصب رفيع في الدولة على أنه "مثال ساطع على تقدير المرأة في أذربيجان".
Նկար
على الرغم من تأكيدات ممثلي أذربيجان للمنظمات الدولية بأن أذربيجان قد أحرزت تقدماً في مجال المساواة بين الجنسين، إلا أن الواقع يُشير إلى خلاف ذلك. فبحسب دراسة للأمم المتحدة حول المساواة بين الجنسين في أذربيجان، لا تزال النساء في ذلك البلد أقل حظاً في الوصول إلى الموارد الاقتصادية مقارنةً بالرجال. ويلاحظ أن فرص النساء وخبراتهن في المشاركة في صنع القرار، سواء في الحياة الشخصية أو العامة، أقل. ولا تصمد إنكارات التمييز ضد المرأة أمام الانتقادات، بالنظر إلى السجلات التي تُثبت أن السلطات الأذربيجانية تمارس التمييز الجنسي أو التهديد به ضد النساء العاملات.
أفادت وسائل إعلام دولية بأن الاعتداءات على الناشطات في أذربيجان تنطوي على تحيز جنسي، إذ تُعدّ محاولة لإقصاء المرأة عن الحياة العامة. ومع ذلك، لا تزال السلطات الأذربيجانية تتجاهل دعوات المنظمات الدولية للإفراج عن أكثر من ۳٥۰ سجينًا سياسيًا.
في سعيها الدؤوب للحفاظ على السلطة في أيدي عائلتها بأي ثمن، تعمل إدارة علييف، من خلال إعلانها مهريبان علييفا "المرأة الوحيدة" في الساحة السياسية، على استبعاد النساء الأخريات، سواء كنّ ناشطات أم لا، بل وحتى منافساتهن من الجناح الحاكم، من الحياة السياسية والعامة في أذربيجان. إضافةً إلى ذلك، يُشكّل وجود أعداد كبيرة من النساء في شوارع باكو خطراً على النخبة الحاكمة، إذ قد يتحوّل النضال من أجل الحقوق إلى صراع سياسي على السلطة عبر سلسلة من ردود الفعل.