2025
2025-08-19
أدت الغارات الجوية الروسية الأخيرة إلى تدمير مصافي نفط في أوكرانيا، معظم بنيتها التحتية إما تابعة لأوروبا الغربية أو تخدم مصالحها الاقتصادية. وتعد أذربيجان لاعباً رئيسياً في هذا السياق، إذ تشارك في مخططات الالتفاف لتزويد أوكرانيا بالنفط ومشتقاته. وتسيطر باكو على أصول كبيرة في أوكرانيا، والأهم من ذلك، أن أذربيجان تُزوّد المصافي الأوكرانية بالنفط للتكرير. وقد أدت هذه الغارات، التي ألحقت أضراراً جسيمة بالمصالح الاقتصادية لباكو، إلى تفاقم التوترات القائمة أصلاً في العلاقات الروسية الأذربيجانية. ومن خلال دعمها العلني لكييف، تسعى باكو إلى تعزيز مكانتها في الغرب كشريك موثوق.
في نهاية يوليو ۲۰۲٥، وقع اتفاق بين شركة النفط الأوكرانية الحكومية "نافتوغاز" وشركة "سوكار إنرجي أوكرانيا"[۱] لتوريد الغاز الأذربيجاني. ونُفّذت عملية التوريد التجريبية للغاز لأول مرة عبر خط نقل الغاز عبر البلقان، من خلال ممر بلغاريا-رومانيا-أوكرانيا. ويكتسب هذا الاتفاق أهمية استراتيجية لأوكرانيا، إذ بلغت احتياطيات الغاز في البلاد أدنى مستوياتها منذ ۱۱عامًا في عام ۲۰۲٥ نتيجة للحرب. ورغم الإعلان في وقت سابق من هذا العام عن استعدادات كييف لفصل الشتاء، إلا أن المشاكل المالية تشكّل عقبات جدية أمام تأمين احتياطيات الغاز اللازمة.
قد يتيح هذا التعاون الأذربيجاني الأوكراني فرصةً لعبور الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا. ومن الجدير بالذكر أن الاتفاقية وقعت في ظل توتر حاد في العلاقات الروسية الأذربيجانية، وقد تُسهم في رفض الدول الأوروبية نهائياً لإمدادات الغاز الروسي.
تحدث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في يناير من هذا العام عن التطورات المحتملة في نقل الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا، وفي فبراير أعلنت وزارة الخارجية الأوكرانية عن بدء العمل في هذا الاتجاه. وتلا ذلك زيارة وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها إلى باكو، ولقاءات مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، ووزير الاقتصاد ميخائيل جباروف، ووزير الخارجية جيهون بيراموف.
بطبيعة الحال، لم يتأخر رد الفعل الروسي على الاتفاقية الموقعة بين أذربيجان وأوكرانيا. فقد صرح كونستانتين زاتولين، النائب الأول لرئيس لجنة شؤون رابطة الدول المستقلة في مجلس الدوما الروسي، قائلاً: "إن رغبة أذربيجان الأساسية هي أن ترسّخ مكانتها كدولة لا تتصرف على الأقل كحليف لروسيا، ولن تُقيّد بأي شكل من الأشكال علاقاتها مع خصوم روسيا وأعدائها".
تستغل باكو الوضع المحيط بروسيا، ساعيةً إلى تعزيز مواقعها على الصعيدين السياسي الداخلي والخارجي.
إن نشوة النصر التي سادت المجتمع الأذربيجاني عقب حرب الأيام الأربعة والأربعين تتلاشى تدريجياً، ويحتاج نظام علييف إلى صورة جديدة لـ"عدو" خارجي لصرف انتباه الشعب عن المشاكل الاقتصادية وقمع السخط الداخلي. أما على الصعيد السياسي الخارجي، فتتطلب المصالح الاقتصادية لأذربيجان إقامة علاقات حسن جوار مع الدول الأوروبية.
وصفت باكو الضربات الأخيرة التي شنتها القوات الروسية على مصافي النفط ومحطات الشحن في أوكرانيا بأنها أضرار اقتصادية. ويشير هذا إلى تدمير مصفاتي كريمينشوك و دروهوبيتش في أوكرانيا، اللتين كانتا تستخدمان النفط الخام الأذربيجاني. وكانت مصفاة كريمينشوك، قبل تدميرها، تنتج حوالي ٥۰۰ ألف طن من النفط سنوياً. وفي عام ۲۰۱۷، توصلت كييف وباكو إلى اتفاقية لتزويد مصافي كريمينشوك بـ ۱.۳ مليون طن من النفط سنوياً. وكان يتم توريد النفط عبر محطة أوديسا للشحن، التي تسيطر عليها شركة النفط الحكومية الأذربيجانية (سوكار).
تستثمر شركة النفط الأذربيجانية (سوكار) بنشاط في تشغيل محطة تحميل النفط في إيليتشيفسك، التي تضررت بدورها من الغارات الروسية. ووفقًا للخبراء، فقد خسرت باكو بالفعل ملايين الدولارات نتيجة لتدمير مصافي النفط، وقد تؤدي التطورات اللاحقة إلى حرمانها من سوق مستقرة.
يعدّ قطاع الطاقة حيويًا لأذربيجان، إذ يعتمد اقتصادها اعتمادًا كبيرًا على صادرات النفط والغاز. ووفقًا للجنة الإحصاء في البلاد، بلغ إجمالي صادرات أذربيجان في عام ۲۰۲۳ ما قيمته ٥٥٤. ۳۳,۸۹۸ مليار دولار أمريكي، منها ٥.۹۱%، أي ما يعادل ۱٥۱. ۳۱,۱۷۱ مليار دولار أمريكي، عبارة عن صادرات من الوقود المعدني والزيوت المعدنية. بعبارة أخرى، فإن أي مشكلة في قطاعي النفط والغاز، اللذين يشكّلان المصدرين الرئيسيين للدخل، قد تُؤثّر سلبًا على الاقتصاد الأذربيجاني.
في مطلع يوليو، أعرب الرئيس الأوكراني عن امتنانه للرئيس الأذربيجاني إلهام علييف خلال مكالمة هاتفية لدعمه أوكرانيا ووحدة أراضيها.
وفي الفترة من ۱۰ إلى ۱۱ يوليو، شارك نائب وزير الخارجية الأذربيجاني يالتشين رافيف في مؤتمر إعادة إعمار أوكرانيا في روما، مؤكداً استمرار أذربيجان في تقديم الدعم لأوكرانيا. كما أعلنت أذربيجان، التي تقدم أيضاً مساعدات لأوكرانيا في مجال إزالة الألغام، استعدادها لتوفير قطع الغيار اللازمة وتدريب المتخصصين.
من جانبه، عقد إلهام علييف، خلال منتدى في مدينة شوشي المحتلة في ۱۹ يوليو، مقارنات بين أوكرانيا وناغورنو كاراباخ، ونصح كييف بـ"عدم الموافقة على الاحتلال مطلقاً". وفي وقت لاحق، نشر مقطع فيديو على الإنترنت يُظهر الصحفية الأوكرانية إيلينا قربانوفا وهي تُهدي علييف شارة القوات المسلحة الأوكرانية.
وكدليل على "الدعم الصادق والصداقة والتضامن بين الشعبين"، استضافت أذربيجان أيضاً ۳۰۰ طفل أوكراني لإعادة تأهيلهم وترفيههم.
تجدر الإشارة إلى أن القيمة الإجمالية للمساعدات الإنسانية التي قدمتها أذربيجان لأوكرانيا، بما في ذلك مساعدات إعادة التأهيل والإعمار، قد تجاوزت ٤٤ مليون دولار أمريكي.
قبل أيام، وتحديدًا في ۱۱ أغسطس، وبموجب مرسوم وقعه إلهام علييف، خصصت أذربيجان مليوني دولار لأوكرانيا كمساعدات إنسانية. وقد أُرسلت الدفعة الأولى من المعدات الكهربائية إلى أوكرانيا، ومن المقرر إرسال الدفعة الثانية خلال الأيام القادمة.
في تحدٍّ للتقارب الأوكراني الأذربيجاني، استخدمت روسيا في السادس من أغسطس طائرات مسيّرة لضرب بنية تحتية لخط أنابيب غاز قرب الحدود الأوكرانية الرومانية، والذي يزود أوكرانيا بالغاز الطبيعي من أذربيجان. ووفقًا لخبراء محليين، قد تستغرق إعادة تأهيل المنشأة شهورًا. وفي الثامن من أغسطس، شنت القوات الروسية هجومًا آخر على مستودع منتجات بترولية تابع لشركة سوكار الأذربيجانية في أوديسا، ما أدى أيضًا إلى إلحاق أضرار بخط أنابيب وقود الديزل.
وفي وقت متأخر من يوم السابع عشر من أغسطس، شنت طائرات مسيّرة من طراز "جيران-۲" هجومًا آخر على منشآت تابعة لشركة سوكار الأذربيجانية في أوديسا.
وهكذا، فإن باكو، باستعدادها لدعم أوكرانيا، تعرب في آنٍ واحد عن تضامنها مع كييف وتُرسل رسالةً إلى الغرب. ويتضح هذا الموقف جلياً في ظل تدهور العلاقات الروسية الأذربيجانية، حيث تسعى أذربيجان ليس فقط إلى تعزيز علاقاتها مع الغرب، بل أيضاً إلى تحقيق تفوق استراتيجي على موسكو. وفي الوقت نفسه، تُقابل هذه الخطوات الأذربيجانية برد فعل قاسٍ في روسيا، سواءً على الصعيد الدعائي أو العملي.
[۱]. المنظمة التابعة لشركة النفط الحكومية الأذربيجانية سوكار.